الأحد، 12 يونيو 2011

معالم في طريق الصحوة السورية- بقلم د.حمزة النعيمي

 


هذه الصحوة التي تمر بها الأمة العربية لن تغفل عنها الشياطين بل لابد وأن تسعى لاستثمارها لصالحها وذلك من خلال رصد التناقضات والاختلاف في صفوف الشباب الثائر ثم تعميق الشقاق بين الفرقاء ، وللشيطان خبرة طويلة في هذا المجال وحال الأمة يشجع على ذلك، فهي أمة بلا هوية قوية توحدها وتعطيها حصانة ضد الاختراق، فهناك شقوق بين العلماني والديني وبين المسلم والمسيحي وبين السني والشيعي وبين السلفي والصوفي، بالإضافة لأصحاب الأجندات والمصالح الخاصة.


إن طاقة الشباب الثائر يمكن تشبيهها بالطاقة النووية، التي لو تركت بلا إدارة علمية يمكن أن تحدث انفجارا مدمرا، ولو أديرت بعلم وحكمة يمكن أن تكون مصدرا لطاقة مفيدة تدير حركة الإنتاج في الأمة وتنشر الأمل والنور في ربوعها.

وللتعامل العلمي العملي مع مرحلة الثورة لابد من تحديد المطالب والمخاطر، مطالب الشباب الثائر والمخاطر التي تشكل حقول ألغام أمام السعي العملي لتحقيق تلك المطالب العادلة.

والمعادلة الصعبة التي ستقابل من كان قدرهم أن يتحملوا إدارة هذه المرحلة الخطرة هي: كيف يمكن تحقيق مطالب شباب ثائر في طريق مليء بالألغام والمخاطر المحلية والعالمية؟

وأي إدارة مهما أوتيت من عبقرية وقدرة لا تقدر- بمفردها - على التعامل مع تلك المعادلة الصعبة بل يمكن أن نقول المستحيلة.

أذن نحن بحاجة إلى فقه جديد يعتمد على استكمال الحلقة المفقودة في هذه المرحلة وهي: أن الأمة بحاجة إلى برنامج دعوي فكري يسير جنبا إلى جنب بجوار المشروع السياسي (الإصلاحي) يدعمه ويوجهه إلى بر الآمان.
وهذا البرنامج الفكري يقوم به باقة من العلماء والدعاة المحبوبين ويفعل بكل الوسائل المؤثرة، ولكي ينجح هذا البرنامج لا بد وأن نشرك فيه شباب الصحوة وأحزاب الأمة.
وهذا يتطلب منا التعرف على المطالب والمخاطر ثم الموازنة بينها لوضع حلول منطقية وعملية وفقا لفقه المرحلة وعلى ضوء من دين الله العالمي الخالد .

تحديد مطالب الثورة:
1- من المطالب الهامة هدم كل ما تم وضعه في العصور البائدة وإعادة البناء من جديد بما فيها الدستور والتشريعات والمحليات وحزب البعث الجاثم على صدر الأمة السورية.
2- حل كافة الأجهزة القمعية كرؤؤس الشرطة وأمن الدولة ومختلف أجهزة المخابرات والمحافظين.
3- محاكمة القتلة من أجهزة الأمن ومراكز القوة وأصحاب المصالح.
4- محاكمة اللصوص واسترجاع ما سرقوه من الأمة.
5- إلغاء المعاهدات العميلة التي تضر بالأمة وتهددها .
6- من مطالب البعض أن تكون سورية دولة علمانية دينها المواطنة مع إلغاء كل العقبات التي تعترض هذا الطريق، وفي المقابل من يقول يجب أن تكون سورية دولة إسلامية أصولية، وهناك فريق يسعى لأن يكون وسطا بين الفريقين.

مخاطر وحقول ألغام لابد من أخذها بعين الاعتبار:
1- خطر اللاهوية أو الهويات المختلفة والمتناقضة، وهي من أخطر القضايا التي من خلالها يمكن أن ينجح الشياطين في إدارة صراع خطر على حاضر الأمة ومستقبلها (فالعلماني يتصارع مع الديني، والصوفي مع السلفي، والسني مع الشيعي 000 )
2- خطر الفتنة الطائفية المتمثلة في وجود كتل متعددة مشحونة بالمطامع والأحقاد، والتي يمكن أن تستغل فيها حقيقة الوضع الراهن القائم على التفرقة بين الأغلبية المقهورة والأقلية الحاكمة في التعامل الرسمي.
3- خطر أصحاب المصالح من المنتفعين ذوي المصالح المتشعبة والمتداخلة من القمة إلى القاع.
4- خطر ملاحقة المجرمين من أزلام النظام ممن لهم جذور ممتدة في كثير من مراكز القوى داخليا أو خارجيا.
5- خطر الناحية الاقتصادية التي أفرزت ملايين من الشباب العاطل ومن هم تحت خط الفقر في مقابل صور استفزازية لثراء فاحش غير منطقي.
6- خطر الإعلام الموجه لإثارة الفتن وتوسيع هوة الشروخ بين الهويات المتناقضة والطروحات المختلفة.
7- خطر الأجندات الخارجية .

وهذه العناصر متداخلة بمعنى(على سبيل المثال) أن خطر الفتنة الطائفية قد يتلاقى مع خطر الأجندات الخارجية ، وكذا خطر الإعلام الموجه قد يتلاقى مع الفتن الحزبية. وهذه المخاطر ليست نتاج يوم وليلة بل تراكمات سنين طويلة عاشتها الأمة بلا هوية توحدها أو بهويات قومية أو علمانية.

وأيضا هناك خطر لا يجوز إغفاله أو غض النظر عنه، وهو: اختطاف الثورة أو تحويلها لتعود إلى المربع الأول من خلال فلول النظام المستبد أو أصحاب الأجندات الخاصة أو المصالح الدنية.
وأيضا قد تختطف المجالس النيابية والشعبية والإعلامية من قبل ميلشيات الشيطان بعد أن يغيروا جلودهم ويتلونون بألوان مخادعة .

الحلول التي يمكن أن تستخدم من قبل أطراف الصراع:
1- الحل العسكري: وهل حل ذو عواقب وخيمة، ونتائجه لا يمكن التكهن بها، لاسيما في ظل انعدام التوازن بين القوتين (المتسلطة والمقهورة)، ويغلب على الظن أنه سيكون خيار النظام الاستراتيجي للمصارعة على البقاء.
2- الحل السياسي: وهو أنسب الحلول، إلا أنه في تقديري لا تتوافر له مقومات النجاح، لأسباب كثيرة أبرزها تداخل مصالح أركان النظام وأعوانه في الداخل والخارج.
ومن ناحية أخرى فإن أي عمل سياسي قد يكون مرضيا لطائفة؛ ومغضبا ومثيرا لأخرى، وفي هذه الحالة ستعود الأمة إلى مربع حسابات المصالح، وصراعات النفوذ، وربما يؤدي إلى صراعات مسلحة بين مختلف الفئات والمكونات الشعبية، وهو ما يرى البعض أن النظام في حال وجد نفسه مضطرا للقبول بهذا الحل، لاسيما في ظل وجود أطماع خارجية، وموارد اقتصادية محدودة لا تسعف في إسكات صيحات وثورات الجوعى والمحتاجين.

ولابد أن يكون للأمة ميزان تختبر به الرجال من خلال سيرتهم الذاتية في الماضي والحال وتختار من هو اقرب إلى الله ، فمن يخون الله لا بد وأن يخون كل شيء ويبيع وطنه وأرضه وعرضه مقابل متاع الدنيا الفاني ووعود الشيطان المزيفة.
وعلى شباب الصحوة أن يتفقوا أيضا على وضع برنامج عملي لعودة هوية الحق للأمة تلك الهوية التي تنبع من تاريخها المشرف ودينها العالمي الخالد ويكون ذلك بمثابة القبلة التي تلتف حولها كل أطياف الأمة .



للتعامل العلمي مع المخاطر السابقة فإننا بحاجة إلى برنامج فكري إعلامي قوي مكون من خطين:
أولا - الخط الوقائي السريع : وهو يحتاج إلى برنامج إعلامي قوي موجه للشباب الثائر يبين له:
أ - خطورة المرحلة بما فيها من قصور في الهيكل القيادي والإداري والرقابي للثورة، مع بيان الحاجة إلى ضرورة وجود قيادة إدارية قوية تعمل على توجيه الثورة وترشيدها.
ب - تبصير الشباب بخطوات التعامل الإنساني مع المخالف، من خلال منهج يدعوا إلى الحق والعدل والكرم والتعاون والشرف.
ج - تبصير الشباب بالمخاطر الدولية المغرضة والمدججة بالمكر والسلاح الموجه إلى امة ضعيفة مفككة متصارعة.
مع التنبه إلى ضرورة إشراك الشباب إشراكا فعليا في تلك البرامج ليكونوا على بصيرة بالفتن التي تحيط بهم.
ثانيا - الخط العلاجي الممتد : وهو خط شديد الأهمية للحاضر والمستقبل، للحاضر لمنع اختطاف الثورة من قبل الوصوليين والمتصيدين، وللمستقبل لحماية الأمة من النكسات والاختراق والتقطع والعودة إلى حالة اللاهوية التي دمرتها وأفرزت كل الأحداث الخطرة والمدمرة التي عانت منها الأمة.

وهذا الخط يحتاج  إلى برنامج فكري إعلامي بعلم وحكمة وكفاءة ليتحقق منه ما يأتي:
1- الوصول إلى هوية واحدة قوية تتوحد عليها الأمة السورية مهما تعددت المشارب والاتجاهات.
2- دعوة الشباب المتحمس لبيان مشاكله وتحديد متطلباته من خلال حوار حر منظم.
3- إنشاء مجلس شورى وتوجيه من خلاصة علماء الأمة ودعاتها وحكمائها المخلصين ليكون مرجعا يرجع إليه في الأمور الخلافية والخطرة.
4- توحيد قوى الثورة وجهودها في الداخل
5- أن يكون للثورة برنامج إعلامي مفعل بعلم واستمرار يوحدها في الداخل وينصرها في الخارج ، على أن يشمل البرنامج الدعوة إلى احترام المخالف والحوار الحر المؤدب العاقل واحترام الأقليات المسالمة وحمايتهم ، والتعاون على البر والتقوى، والتعاون في الحرب على الإثم والعدوان .
6- تنبيه الشباب المتحمس على المؤامرات التي ستحاول فيها الشياطين استخدام حماسه لتقطيع الأمة (وإدارة صراع مدمر فيها) تمهيدا لأضعافها والانقضاض عليها بلا مقاومة .

وقد يعن لقائل أن يقول أننا قد تأخرنا والوضع حرج ولكن لا حرج على فضل الله ، ولعل بداية نبدأ بها الآن يأتي من خلالها الفرج في رضا من يقول للشيء كن فيكون ، أو لعل الفرج يعود إلى من سيأتي بعدنا بعد أن يطهر الله الأمة من شياطينها ومنافقيها وتنعم بلباس الأمن ورغد العيش.
مرئيات أطرحها لعلها تفيد، فما كان فيها من صواب فبفضل من الله، وما كان فيها من خطأ فأستغفر الله منه وأعتذر عنه.


لقراءة المزيد من أرفلون نت اضغط هنا http://www.arflon.net/2011/05/blog-post_3236.html#ixzz1P49vRkPp

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق